الــــمــوسيــقـى الكــونــيــة!!!!!!
كان للموسيقى الكونية موقع مهم لدى قدماء اليونان، هل مازال هناك من موقع للموسيقى الكونية في العلم المعاصر؟
الموسيقى في المنظور الفيزيائي هي مجرد موجات صوتية شأنها شأن الموجات الصوتية الأخرى التي تتخلل التكتلات المادية المختلفة، تُحدث هذه الموجات الفيزيائية حالات تناغم متباينة لدى جمهرة من المستمعين، إن الموسيقى كظاهرة نفسية عميقة إنما ترد إلى أحوال التناغم تلك، من الصعب جداً أن تصنف أحوال التناغم أو أن تصب في قانون أو بطبيعة قوانين أشبه بما يملأ مقررات الفيزياء.
تُمِدُنا الفيزياء على الرغم من ذلك بظاهرة مناظرة وإن كانت أبسط وأسهل في التناول، إنها ظاهرة الطنين، حيث تبلغ الاستجابة الفيزيائية ذروتها في كينونة مادية معينة ذروتها إن كان تواتر الاهتزاز الطبيعي للكينونة مساوياً التواتر المؤثر أو قريباً منه بدرجة كافية، يؤدي الطنين الكامل إلى اندثار المؤثر والمتأثر كما يحدث عند التقاء الكترون بإلكترون مضاد أي بوزيترون، نجد ما يوازي ذلك عند بعض الأجناس الحية إذ يقضي أحد الأبوين أو كلاهما بعد إنجاز وظيفة التكاثر، أوليس بمقدور حزن عميق أن يقتل صاحبه! ألا يمكن لفرح غامر أن يتحول إلى سبب مباشر للموت؟
إن ظاهرة الطنين هي حالة أضيق من حالة التناغم ولعلها تحتل موقعاً مفضلاً فيها، إن كانت الموسيقى تناغماً يتحقق على هامش مركبات من الأحاسيس بالغة التعقيد فإنها ولاشك تمت بصلة قربى للقوانين الفيزيائية، إن غاية الفيزياء كما يقرر آينشتاين، ليست هي اكتشاف العلاقات القائمة بين الأشياء المادية وإنما العلاقات القائمة بين الأحاسيس، فالعالم الواقعي هو مركبات من الأحاسيس وغاية القوانين هي تصنيف الأحاسيس وحسب، إن علم الفيزياء يتحول لدى كبار الفيزيائيين إلى علم النفس، القانون الفزيائي الأصح هو القانون الأبسط وهو القانون الأجمل، إنه منظومة باطنة تحقق تناغماً أعلى في العالم الداخلي للمبدع، إنه المسقط الخطابي لذلك التناغم، التناغم الذي يتأتى أولاً وأخيراً عن تعقيدات الأحاسيس الداخلية، الأحاسيس التي يكاد وجود العالم أن يعزى إليها صحيح أن العالم يعج بالموجات والجسيمات، لكنها لا تفسر ولا تصنف ولا تحمل المعنى إلا عند ارتطامها بالوعي، هكذا تختزل ظاهرة التناغم ومعها ظاهرة الطنين إلى فعل إبداعي صرف للوعي.
إن للأفعال الإبداعية درجات وفئات، لكنها تلتقي عند حقيقة أن كل فعل منها ما هو إلا تناغم بقدرٍ أو بآخر، يترجم المبدع الفعل الإبداعي في أبجدية معينة فالرموز الرياضية هي أبجدية القوانين الفيزيائية والعلامات الموسيقية هي أبجدية السيمفونيات والألحان، إننا نبرر لفيثاغورس وكبلر وسواهما المحاولات المتكررة الرامية إلى ترجمة الإبداعات الفيزيائية والكونية في رموز موسيقية وعلى العكس ترجمة الموسيقى في رموز رياضية، ذلك أن كل شيء تحكمه التواترات وكل رمز إنما يعبر عن تواتر، فتواتر دوران نجم ما وتواتر جملة موسيقية هما تواتران لا أكثر ولا أقل، لا غرو في أن يذهب هؤلاء في محاولاتهم مزج مختلف الترجمات، إلا أن هناك فارقاً، فالمبدع في مجال الفيزياء يستطيع أن يعلق بإسهاب على صيغة رياضية أبدعها وأن يفسرها في عبارات خطابية واضحة، على الرغم من ذلك قد تبقى عصية على فهم الكثيرين، بينما يعجز المبدع في مجال الموسيقى عن تعريف إبداعاته في نصوص خطابية مفصلة وواضحة، كيف تعلل هذه الحقيقة؟
إن الطبقات النفسية المفسرة للعلامات الموسيقية أعمق وأبعد من نظائرها المفسرة للرموز الرياضية والأبجديات اللغوية، وهي بذلك أشد صلة بالبنية الجوهرية الكونية من حيث أنها المسؤولة عن وجود تلك البنية، كما أشار إلى ذلك آينشتاين فيما يتعلق بالقوانين الفيزيائية.
نؤكد على سبيل المثال وليس الحصر أن الخضرة أمر اتفاقي اصطلاحي إذ يستحيل على أحدنا أن يستشعر ويتذوق الخضرة وفق تناغم الخضرة الباطن لدى آخر، إن كلاً من القانون الفيزيائي والمقطوعة الموسيقية تناغم داخلي يترجم في أبجديات وبينما يمكن نقل أحدها إلى العالم الخطابي يصعب فعل ذلك في حالة الآخر، إنهما جبلة واحدة، إن كان التناغم أعظمياً، وكل ما هو أعظمي متفرد وجوهري، كان القانون الفيزيائي أكثر صحة وكان اللحن الموسيقي أجود وأعذب، عدا ذلك يكون التناغم قانوناً فيزيائياً خاطئاً، أو مجرد موسيقى رديئة، نتطرق إلى فيزياء الأشياء باعتبارها موسيقى الطبيعة، مفترضين مثلاً أن ثوابت الطبيعة هي بمثابة علامات موسيقية فهناك سرعة الضوء وثابت الجاذبية العالم وشحنة الإلكترون وكتلته وثابت بلانك وهو أصغر كم للطاقة تتعامل معه الطبيعة وثابت بولتزمان وسواها، تستند القوانين الفيزيائية إلى هذه الثوابت إضافة إلى ارتكازها على مفاهيم ثابتة كمفهوم ثبات الإلكترون وثبات البروتون وعدم إمكانية تفكك أي منهما وهناك مفهوم تساوي شحنتي الإلكترون والبروتون وهناك المفهوم الأشمل لثبات صيغة القانون الفيزيائي التي لا تتغير مهما تغيرت أمكنة وأزمنة الراصدين اللذين يقومون ببناء القانون الفيزيائي.
لقد تبدلت وتغيرت العلامات الموسيقية منذ أقدم الأزمنة حتى الآن، كان هناك مثلاً ديوان زارلينو وتلاه ديوان باخ، بالمثل نجد أن البروتون يتفكك بعد 1032 من السنوات والإلكترون بعد 1021 سنة ويتغير ثابت الجاذبية العام بمعدل 10-11 كل عام ويطرأ تبدل على ثابت بلانك يكافئ 10-18 في السنة، وتتغير صيغ القوانين الفيزيائية بدورها تماماً كما يتبدل التذوق الموسيقي وقد تكون هناك رؤية مستحدثة وغريبة لموسيقى كونية في مستقبل ليس ببعيد.
شبهات و ردود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق