articles

Get this widget Get this widget Get this widget

الحركة الجوهرية

 نظرية الملاّ صدرا في الحركة الجوهرية، الملاّ صدرا يقول: “كل مافي الوجود من دقيق وجليل، وظاهر وخفي، كل ماعدا الله تبارك وتعالى في حركة مستمرة دائبة، لاشيء ثابت، كل شيء محكوم بالحركة.” وحتى اوضح لكم معنى الحركة الجوهرية، لابد ان أفرّق بين مفهومين للحركة.. المفهوم الفلسفي، والمفهوم الهندسي والعلمي والفيزيائي، فالمفهوم العلمي للحركة يجعلها حركة نسبية رهنا بالمكان، ويتحدث هذا المفهوم عن ثلاثة اضرب من الحركة: الحركة الخطية في بعد واحد، الحركة السطحية في بعدَيْن أي على محورين من ضمن المكان، والحركة الفضائية او الفراغية ويسموها الحركة الحجمية. يقول هؤلاء العلماء والفلاسفة الذين اعتمدوا مفهومهم كتقريب للمفهوم الفلسفي: اما اذا كان المحور نفسه متحركا.. اختفى مفهوم الحركة. لأن الحركة حركة شيء على محور، فإن تحرك المحور نفسه، فلن تكون هنا حركة تحدث ! وبهذا التبسيط اليسير فهمنا ان الحركة فعلا مفهومٌ نسبي، فكل شيء انما يتحرك بالنسبة الى غيره، لذلك اذا قلنا الوجود هو الكون فقط، فـــــلا يُتصَوَّر الكون حركة ! إنما تُتَصوّر في الأشياء داخل الكون نسبة الى بعضها البعض… أما الكون كله يتحرك فمستحيل لايتحرك، إلا اذا قلت لا، الكون هو اوسع منه في فراغ اكبر فتتوهّم محورا معينا يتحرك فيه كوننا إلى ان تصل الى كون ليس بعده كون فيتوقف.. يفشل ويبطل مفهوم الحركة.. هذا هو التقريب الفيزيائي لمفهوم الحركة.
الفلاسفة لايتحدثون عن الحركة بهذا المعنى .. على فكرة وجدنا في كتابات الماركسية يتحدثون عن الإيمان ويناقضونا كمؤمنين يحاكمون كلامنا في الحركة الى مفهومهم هم في الحركة الفيزيائية، وهذا خطأ .. لذلك اقول لكم لابد من توسيع الدائرة المعرفية، فأنت كفيزيائي تتحدث فقط من منطلق فيزيائي وتناقشني فلسفيا و لاهوتيا.. لاتستطيع.. تفشل ! وهذا يجعلني اضحك منك، والعكس صحيح ايضا، فلا يجوز لفيسلوف الهي او عقلاني ان يحاكم الفيزيائيين الى مفهومه هو الى الحركة! وينقض مفهومهم بمفهومه..لايجوز، فهذا فهم وهذا فهم، لابد ان تراعي الاصطلاحات، لكل اهل فن اصطلاحهم، لكن محاكمة اصطلاح اهل فن ما بإصطلاح فن آخر فهذا خطأ خلط و خبطُ في العلم والمناظرة، ولــــــكن وفي الغرب يقع هذا الأمر كثيرا!، ولايتفطنون اليه .
لكن مامعنى الحركة التي يتحدث عنها الفلاسفة الإلهيون والعقلانيون بما فيهم المُلاّ صدرا، ماهي هذه الحركة؟ الحركة عندهم عبارة عن مطلق التغير، في درجات وجودية تسمى حركة بغض النظر عن تنسيبها الى غيرها، بمعنى : الآن هذا الفنجان لونه ابيض، بفعل معين لو ان لونه استحال الى لون اغمق قليلا، هذا يسمى حــركة.. هذا التغير تغير حركي -ليس فيزيائيا بل فلسفيا- لأن هذا اللون انتقل من رتبة وجودية الى رتبة وجودية أشد من لون الابيض، هذا يسمى فلسفيا بالحركة، كل تغير وإن لم يكن منسّباً الى غيره يسمى حركة. هذا هو الفهم الفلسفي غير الفهم الفيزيائي.
المُلاّ صدرا يقول: “كل مافي الوجود بإستثناء الخالق الذي لا إله الا هو، وهو رب هذا الوجود، كله يخضع للحركة الجوهرية” ، أي حركة مستمرة دائبة، بمعنى لايبقى أي شيء على حاله لحظتين متواليتين، تماما كما تحدث السادة الأشاعرة عن استحالة بقاء العَرَض زمانين متواليين في العقيدة الأشعرية. وهذا فهم عميق جدا جدا جدا. بعض المؤلّهة يسمون هذا البرهان بالذات <برهــان القهر بالحركة> الله قهر الوجود كله كما قال: }كل في فلكٍ يسبحون{ يس،40  ،كل شيء متغير متحرك من حال الى حال، أي ليس من حق شيء ان يقول هذا حال لي مكان او موقف اتشبّث به… لالا، ستزايره سريعا، اسرع مماتتخيل، لن تبقى في لحظتين !! هــذا في نهاية المطاف اوحى لكثير من الفلاسفة المؤلّهة بما فيهم (ابو حامد الغزالي) بل الأشاعرة عموما، (مِل براينش) من الديكارتيين بنظرية الخلق المستمر، أن الله تبارك وتعالى لايزال يُعدِم هذا الوجود بكل مافيه ويخلقه من جديد دائـــــــما، لأن هذا الوجود لايستغني عن خالقه ولا أقلّ من لحظة !}لا تأخذه سِنَةٌ و لا نوم{ البقرة، 255  ، شيء محير وعجيــب بخلاف الفهم البدائي البسيط الساذج لخالقية الله تبارك وتعالى أنه على نحو الفخار او الخزّاف أو البنّاء في معماره الذي انجز عمله و أدار ظهره وتركه خلفه، كما قال (ابن رشد) – الذي هو ضد هذا المعنى: الله ليس على هذا النحو، أنه بنى بناية ثم تركها، مات البنّاء وبقيت العمارة.. للأسف، بعض الفلاسفة الأوروبيين يظنون هذا الظن بالله ! لالا، ابدا، وإنما الأشياء المحتاجة الى الله لافي اصل اخراجها من العدم الى الوجود، او تشكيلها ضمن الوجود لأنها قديمة –في نظرية قِدَم العالَم- من شكل الى شكل، اكسابها شكلا جديدا، لا ليس في هذا، بل في دوام ماهي عليه وعلى ما آلت إليه.. بإستمرار تحتاج الى الله عز و جل، وهذا معنى القيّومية فيعول من القيام الــذي يقـــــوم بــه كـــل شيء على أنــه قــــائم بذاتــه الذي لا إله إلا هو لايحتــاج الى شيء يقوم به.. الحي القيوم الذي لا اله الا هو.. لذلك آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، فلو أخذته سبحانه سِنَة من النوم ماذا سيحدث؟ يزول الوجود تمــــاما، فإذا قلت لي بقِدَم العالَم، فسأقول لك على قِدَم العالَم فسيتدمّر عالِيَهُ على سافِلهِ.. سيتعجّن العالم في أقل من لحظة!. على الجهتين توجد كارثة ستحدث، فـوِفق نظرية الحدوث لو أخذت الله سنة من النوم والخلق مستمر يغيــــب الوجود ..يعود الى العدم، ولاشيء انتهى .! على نظرية قِدَم العالَم وأزليته على انه مخلوق لله، أو الله سابق عليه بالرتبة لا بالزمان لو اخذته سنة من النوم يتطربق هذا الكون ويتعجّن بما فيه.. يُدمّر ويهلِك في بعضه البعض!!! لكن تبقى المادة ..
المُلاّ صدرا يقول –كما ذكرت لكم- “و إن فشل الحس الإنساني في ملاحظته، ستفشل في ان ترى مثلا هذا الحائط يتغير، وانا اقول لكم سبحان الله وحتى الآن ..يتغير فيزيائيا، تعالوا بعد عشر سنين سترى ان لونه قد تغير، اشياء كثيرة فيه تغيرت، لكن هذه لا تلحظ في زمن قصير ولا تُلحظ في الزمان الطويل، إنما تُلحظ مرة بعد زمانٍ طويــــل.. أي لو مكثت عشر سنين وأنت تراقب ، سيتغير وأنت لاتشعر بتغيّره. وهذا الفرق بين انسان تقريبا لايرى التغير الدراماتيكي في ابنه لأنه متعايش معه بإستمرار فهو لايرقب هذا التغير، وبين من يغيب عن ابنه سنوات طوال ثم يرى التغير الذي حصل له. الملا صدرا قال لك لا، اياك ان يغرّك الحس، فكل شيء يتغير باستمرار في كل لحيظة ولا يبقى زمانين على ماهو عليه.. تتغير هذه الاعراض باستمرار، واتخذ –رحمة الله عليه- الحركة الجوهرية برهانا على مخلوقية العالم لله، وحاجة العالم لله تبارك وتعالى، وكلامه ابلغ من مجرد الكلام في حدوث العالم، او إحداث الله للعالم، قال انه ليس فقط أحدَثَهُ، لا .. أحدَثَهُ ويُحدِثَهُ بإستمــــــرار في كل لحيظة الذي لا اله الا هو . هذه الحركة الجوهرية تتوائم وتلتئم بمفهوم قيّوميّة الله تبارك وتعالى.
اكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة لأنني الآن اذا تركت هذا الكلام سأدخل في موضوع الفرق بين نظرية من قال بقدم العالم، ونظرية من قال بحدوث العالم، وهذا يحتاج الى وقت طويــل ايضا .

المراجع

https://adnanibrahimsermon.wordpress.com/2012/05/25/%E2%80%AB%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%B7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B2%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%AD-14/

شبهات و ردود

ليست هناك تعليقات: